لو تفكرنا في رسالة العمل الخيري والإنساني اليوم وتأملنا في الواقع والطموح، بإمكاننا أن نختزل الرسالة غالباً في صورة إطعاماً لفقير جائع وسقي لعطشان وكسوة لعاري وإيواءً لمشرد ومهجَّر وكفالة ليتيم وتعليماً لجاهل وعلاجاً لمريض وبناءً لمسجد أو طباعة لمصحف وتدريباً على حرفة.

كل هذه أعمال مباركة وطيبة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، ولكن في ظل هذه المآسي والمصائب في مشارق الأرض ومغاربها والتي يشيب لهولها الولدان، لو تفكَّرنا ملياً وسألنا أنفسنا هل أحدثنا أثراً واضحاً ومستمراً، مهما قدمنا من تبرعات ومساعدات ولكل محسن الثواب والأجر من الله.

وأقول مهما كانت لدينا من إمكانيات على مستوى الحكومات والشعوب والجمعيات الأهلية، في هذا المجال وبالرغم من سعينا لسد هذه الحاجات والضروريات للشعوب المنكوبة قدر استطاعتنا، وهو أمر جيد وممتاز ولكن السؤال المتبادر اليوم، ما هو المطلوب والمرجو في هذا الطرح؟

أقول وبالله التوفيق وكمثال، إن لم تتحول الكفالة لليتيم إلى تمكين أمه الأرملة من عمل يُدر عليها مورداً ثابتاً من المال، مالم نمكِّن اليتيم من علم أو مهارة أو حرفة ندرِّبه ونؤهِّله ليكون معول بنَّاءً في مجتمعه، بدل أن يكون عالة ينتظر الكفالة الشهرية هل وصلته أم انقطعت، ومالم نعلَّم هذا العاري كيف يخيط ملابساً ليستر عورته، ومالم نساهم في إعادة النظر في مخرجات مراكز التعليم والتي تنشؤها الجمعيات الخيرية ومالم نجوِّد ونحسِّن مستواها، ونراجع مناهجها بما يلبي حاجات الطلب في السوق كُلاً بما يناسب بيئته وظروفه.

وهذا يحتاج إلى أن يتوجه العمل الخيري وينتقل إلى جانب آخر من التطوع إلى الصنعة والاحتراف كما هو موجود في الدول المتقدمة، وما لم يحدث ذلك – والله أعلم – فإننا نكون كمن يحرث في الماء، فنصبح ندور في هذا الأفق الضيق حول أنفسنا، وننشغل ليلاً ونهاراً في قطاع الإغاثة العاجلة والتي استنزفت كثيراً من الصدقات والزكوات والأوقاف والوصايا وأصبحت بعض الجمعيات الخيرية تُكرر ما تفعله مثيلاتها، بغض النظر عن الإبداع والتميز والسير وفق منهجية البدء من حيث انتهى الآخرون، وهذا يُعتبر اليوم تحدياً في مواجهة العمل الخيري والقائمين عليه.

صلاح أحمد الجاراللَّه
الأمين العام

“إبراءاً للذمة أم أداءً لمهمة” بين رسالة العمل الإنساني والواقع والطموح

10.08.2020